3lislam الخندق الاسلام
Written By on Thursday, 13 April 2017 |
«دع العالم يحارب، أمَّا النمسا السعيدة فتتزوج»(1) ، وهكذا فقد خلق الله رجالاً للحرب ورجالاً للدّعة، رجالاً يهجون بكلماتٍ مؤنثة، ورجالاً يفرحون بابتسامةٍ متحفِّزة، رجالاً يرون في العقائد المضادة فرصةً للتزاوج، ورجالاً يرون فيها مادة حربٍ متأجِّجة، رجالاً تُقارب، ورجالاً تُحارب، رجالاً تعضلهم مجابهة مخالفٍ يعقل استحالة المزاوجة، ورجالاً يعضلهم إقناع المتزوجين أن الزواج ليس حرامًا، ولكنْ ثمَّ وقتٌ للحرب ووقتٌ للمقاربة!
وشأن غالبية الملحدين معا لعلم كشأن جمهور الشعراء مع الحرب، قولٌ بلا فعل، ودعوةٌ من غير تجربة، وحماسةٌ لا يصحبها خطر، أيدٍ ناعمة، ووجوهٌ لم تعرفها الشمس، وأقدامٌ لا تعرف السعي، وتصورهم الخيالي للعلم الطبيعي الذي يسوغ إلحادهم؛ كتصور الشعراء للحرب التي تليق بالقارئ المتأنّق، وأكثرهم مقلدٌ تحدوه حماسة الجهّال، وقليلٌ منهم يعلم، وليس فيهم من علِمَ وتيقّن!
إنَّ العلم الطبيعي لا يمثل بالنسبة لغالبية الملحدين أكثر من حفرةٍ يتخندقون فيها، فإن واجهتهم إشكالاتٌ فلسفيةٌ فسوف يمنّون أنفسهم أنَّ العلم الطبيعي سيحلها ولو بعد حين، وحتمًا سيأتي يوم يحل فيه العلم محل الإيمان، ويفك شفرة كافة الظواهر الخارقة للعادة والمخالفة لمجرى الطبائع، وطبعًا فهذه الروحانيات التي يشتاقون إليها ليست إلَّا مظهرًا من مظاهر ضعف أثر العلم الطبيعي في عقولهم، بل ربما تمنَّوا لو أمكَّنهم العلم من آلة تقضي على التديُّ في قلوب المؤمنين!
سترى في الملحدين من يدَّعي الإلحاد بناءً على نظرياتٍ عمليةٍ، وعندما تدعوه للحوار في هذه النظريات سيثير عجبك أنَّه لا يعرف عنها شيئًا من الجهة العلمية، فضلاً عن أن يعرف كيفية الاستدلال بها فلسفيًّا على إلحاده، ولا تقف الحيلة النفسية عند حدّ رسم ملامح علاقة الملحد بالعلم الطبيعي، حتى يدعي ملء فراغه المعرفي بما لا يفهمه من النظريات العلمية، بل يمتد احتياله على نفسه ليملأ فراغه الروحي بالنظريات التي لا يفهمها، لتساعده في تمالك نفسه إزاء مصائب الحياة ومصيبة الموت.
في هذا السياق قام «باستيان روتجنز» وآخرون بعدة تجارب نفسيةٍ ميدانية، وجد من خلالها أن استشعار المرء التحكم في العالم من حوله، قد يكون داخليًّا بقدره على التحكم في حياته، أو خارجيًا بالركون لمؤسسات الدولة، أو عن طريق الاعتقاد الديني، وجدَ «باستيان» ورفاقه أن هذا الشعور بالتحكُّم يمكن أن يولده العلم الطبيعي والاعتقاد بالتقدم كذلك، وذلك من خلال التصديق بنظرياتٍ تمنح العالم من حولنا صورةً من صور الترتيب المفهوم! كما وجد «باستيان» في مجموعةٍ أخرى من التجارب أنَّ الخوف من الموت، والجزع أثناء المِحن يقل بالاعتقاد بالتقدم العلمي(2).
إنَّ التباين الفجّ المتكرر بين الموقف المشكك للمتخصصين في العلم الطبيعي وموقف عامة الملحدين المتيقن، يورثك يقينًا أن الرافد الأساسي في إلحاد هؤلاء هو العاطفة، تلك العاطفة التي أعمته عن ملاحظة التشكك الملازم لحديث علماء الطبيعية، وحجبت عنه رؤية الفلسفة الكامنة في ثنايا العلم الطبيعي وأصوله، ومنعته من متابعة مواطن قوة النظريات وضعفها، وأورثته يقينًا جازمًا بالإلحاد بناءً على نظريات لا يملك واضعوها أنفسهم هذا اليقين تجاهها!
هذا التباين الفج يجعل من دعوى وجود إلحادٍ علميٍّ خالصٍ طرحًا غير مقبول!
نعم - أخِي المسلم - على مستوى تجريد الأفكار - لمصحلة المدارسة - يمكن تقسيم الإلحاد إلى عاطفيٍّ وعلميٍّ(3) ، لكن عند النزول لأرض الواقع - لمقام المناصحة - فينبغي أن يُعلم أن تلقي الملحد للقضايا العلمية يسبقه استعدادٌ نفسي، ويؤكده قبولٌ عقليٌّ ونفسي، ولذلك فيجب الاستعداد لمُغالبة هذا الشق النفسي ببيان الشق الفلسفي في تأصيل المسألة محل البحث، والجانب الخلافي في طرحها، والاحتراز بالشك اللازم في قبولها!
ولذلك فالمقصود بمراعاة الجانب النفسي عند المتأثرين بالقضايا العلمية لا يمكن أن يتحقق دون الإحاطة بالنظرية العلمية وأصولها وطريقة عرضها، بالإضافة للنظر في الأسباب النفسية الأولية التي ساعدت على الوقوع في الإلحاد!
أمَّا الملحد فليجمع أمره، ولينظر في شأن نفسه، فهو أدرى الناس بها وبسرِّها، وليسأل نفسه:
- أأنا حقًّا أعرفُ هذه النظرية العلمية؟!
- أأنا أعرف تاريخها وحاضرها؟!
- أأنا أعرف كيف بدأت وكيف تغيَّرت وإلى أين يتجه البحث فيها؟!
- أأنا أعرفُ مواضع الإشكال والثغرات فيها؟!
- أأنا أعرف الفلسفة التي بُنيتْ عليها؟!
- أأنا أعرف درجتها من القوة والثبوت؟!
- أأنا رجلٌ صادقٌ يقول «لا أدري» حيث لا أدري؟!
- أأنا رجلٌ منصفٌ يحكم بما يعلم دون ظلم وحيف؟!
- أأنا رجلٌ حكيمٌ - كما أدَّعي - أَبُنيَ إلحادي على العلم أم أنا متهورٌ - كما يدَّعون - يبني كفره على ظنٍّ لا علم له بحقيقته؟!
فلينظر وليصدق نفسه النصيحة، ولينظر كيف يرجع، كفورًا عنيدًا أم سائلاً متحيِّرًا!
هوامش المقال
1-كان نجاح الأسرة الحاكمة في النمسا مبينًا على زواج الأمراء والأميرات - ولو في سِنِّ الطفولة - لملوك وأمراء وأميرات الدول والمقاطعات الأخرى، وعلى رأس الذين نجحوا في توطيد ملكهم بهذه الطريقة الامبراطور «ماكسيميليان الأول» وفي عهده وصفت النمسا بهذا الوصف.
هذه مجموعة من أبحاث «باستيان روتجنز» في العاملا لنفسي للاعتقاد بالتقدم العلمي ومتابعة النظريات العلمية:
-Rutjens, B. T., van der pligt, J., & van Harreveld, F. (2009). Things will get better: The anxiety-buffering Qualities of progressive. Personality and Social Psychology tin,35.535-543.
-Rutjens, B. T., van Harreveld, F., & van der pligt, J. (2020). Yes We can: Belief in pro-gress as compensatory control. Social Psychological and personality Science,1, 246-252.
-Rutjens, B. T., van der Pligt, J., & van Harreveld, F. (2010). Deus or Darwin: Random-ness and belief in theories about the origin of life. Journal of Experimental Social Psychol-ogy, 64, 1078-1080.
2-Rutjens, B. T., van Harreveld, F., van der Pligt, J., kreemers, L. M., & Noordewier, M.K. (2013). Steps, stages, and structure: Finding compensatory order in Scientific Theories. Journal of Experimental Psychology: General, 142, 313-318.
في رسالةٍ بعنوان «خطة معرفية للعمل على ملف الإلحاد» نُشرت كهدية مع العد الرابع من مجلة «حراس الشريعة الالكترونية» قلت: «يمكن تقسيم الإلحاد من حيث دافعه إلى نوعين كبيرين، أولهما: الإلحاد النفسي، وثانيهما: الإلحاد العلمي، وقد ينفرد الأول، أمَّا الثاني فلا ينفرد أبدًا، ولكلٍّ منهما طريقته في الطرح، وأسلوبٌ خاصٌّ في التعامل، وعليه فالتفريق بينهما مهم، وهو - مع قليل من الخبرة والذكاء - سهلٌ يسير.
http://ift.tt/2oZU4fk
3-http://ift.tt/2oqoa8O
الاسلام,اخبار,مقالات اسلامية,اسلام
الخندق, الخندق, الخندق, الخندق, الخندق
المصدرمحور المقالات - إسلام ويب http://ift.tt/2p07TdS
via موقع الاسلام
from موقع الاسلام (رسالة الحق والسلام) http://ift.tt/2p01Sh0
via IFTTT
0 comments:
Post a Comment