3lislam دراسة جدوى ..بين الإيمان والكفر ! الاسلام
Written By on Sunday, 3 January 2016 |
هبْ أن رجلًا كان يمشي هائمًا على وجهه، ليس مشحونًا بفكر فلسفي سابق، ولا محمّلًا بانطباعات سالفة، سوى ما يمتكله من منحة العقل ..وبينا هو يمشي إذ بلغ مفترق طرق ..فقيل له ها هنا خياران :
-أحدهما طريق طويل، يبلغ ألف ميل ..وفيه من صنوف رغد العيش وألوان النعيم ما فيه
وليس من محظورات، ولا قيود، سوى أن جماعة من الناس يقولون بأنه يفضي في نهايته إلى نار تلظى، من سلك هذا الطريق فلن يخرج منها أبدا !
-والثاني، طريق قصير، ستون ميلا أو سبعون ..أو نحوهما، وهو محفوف بالقيود، وصاحبه لن يخلو من مجهود في حدود طاقته، وليس في خاتمته شيء يذكر سوى الفناء المحض..
وبعد هذا العرض الوجيز، قيل له : أي الطريقين تريد، فتخيّر لنفسك ما شئت !
وقد افترضنا أن الرجل يتحلّى بالحد الأدنى الممكن من العقل الذي يفارق به المجانين
فما تراه يكون خياره، وكيف يبني قراره لو أراد عمل "دراسة جدوى" ؟
أقول جازمًا، إن مقتضى العقلي السديد دونما احتياج لذكاء فريد، هو الخيار الثاني
كيف ذلك ؟
تقريره : مادام هناك احتمال –ولو يسيرًا- بأن العذاب أبدي بعد سلوك الطريق الأول، فإن الخسارة تكون أبدية، لو قُدّر صدق هذا الاحتمال، ولا قيمة عندئذ لطول النعيم في الطريق الموصوفة، خلافا للطريق الأول فقصارى ما هنالك أن يقضي هذه المسافة المؤقتة ثم لا شيء،أي على جهة اليقين !
وعندئذ لو أدخلت هذه الموازنة إلى أي آلة ترجيح فيها ذرة من عقل، لحكم بسلوك الطريق الثاني قطعًا ..والنتيجة : الحكم بتصويب اتخاذ هذا القرار، فيقال لمن سلكها : أصبت !
ويمكن التمثيل رياضيا لتصوير الموازنة :
طريق1:عذاب أبدي في نار جهنم (محتمل ) + حياة من النعيم طولها 1000 سنة
طريق2:حياة ذات تكاليف مقدورة طولها سبعون سنة تقريبا + صفر
والحاصل أن حكم العقل القاطع بلزوم ترجيح الثاني، هو حكم منها بتصويب سلوكها بصرف النظر عن النتائج، لأن الموازنة بين خسارة محتملة ولكن لا منتهية !، وربح محدود مؤقت محكوم عليه بالفناء .
فكيف إذا اعتبرت معَ ما سبق بما هو آت من نقاط بالغة الأهمية :-
- أولئك الناس الذين قالوا بأن الطريق الأول يفضي إلى جهنم هم أنفسهم يقولون: بأن الطريق الثاني آخره جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، والنعيم فيها مقيم، لا حدّ له ولا نهاية له !
-وهم لا يكتفون بإطلاق هذه الدعوى مجرّدةً عن إقامة البراهين، بل لديهم من حجج اليقين ما يفوق الحصر ..وما لا يحدّ بحدّ من أدلة عقلية وعلمية وأخلاقية واعتبار بسنن التاريخ والحياة ومن دلالة الفطرة الوجدانية المركوزة في النفوس، ومن أدلة صدق النبوة القاطعة بأن هذا الإنسان رسول من عند الله، وآيات الآفاق والأنفس بعامّة..
-وأن المؤمن -المسلم المستقيم على أمر الله - في حياته الدنيا يحتقب في قلبه طمأنينة لا تقدّر بثمن، ليس منكود الضمير وليس في ضنك من العيش مهما كانت حاله بائسة أو كان يكابد شظف العيش..
بل ما من أحد ينظر في سير السلف الصالح رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من أهل العلم الربانيين والمجاهدين عبر صفحات التاريخ إلا غبطهم على ما هم فيه من لذّات ولهم في ذلك من الكلمات ما يفوح عبيرًا ويلوح إشراقًا ..ومن ذلك ما رواه الحافظ ابن عساكر عن إبراهيم بن بشار قال : "خرجت أنا وإبراهيم بن أدهم، وأبو يوسف الغاسولي وأبو عبد الله السخاوي نريد الإسكندرية، فمررنا بنهر يقال له : نهر الأردن، فقعدنا نستريح، وكان مع أَبِي يُوسُف كسيرات يابسات فألقاهن بين أيدينا، فأكلنا وحمدنا اللَّه، فقمت أسعى أتناول ماء لإبراهيم، فبادر إبراهيم فدخل النهر حتى بلغ الماء ركبتيه، فقال بكفيه فِي الماء فملأهما ثم قال : بسم اللَّه، وشرب، فقال : الحمد لله، ثم إنه خرج من النهر، فمد رجليه، قال : يا أبا يوسف لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا بالسيوف أيام الحياة عَلَى ما نحن فِيهِ من لذيذ العيش..." (1)، وقال العلامة ابن القيم حاكيا بعض أحوال شيخه الإمام ابن تيميّة :
"وعلِم الله، ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه قط، مع كل ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرجاف وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرّهم نفسًا، تلوح نضرة النعيم على وجهه...وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض؛ أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه ؛ فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحًا وقوة ويقينًا وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فأتاهم من رَوحها ونسيمها وطيبها، ما استفرغ قواهم لطلبها، والمسابقة إليها" (2) والمنقول من هذا الصنف عن صُلَحاء هذه الأمة وأئمتها الربانيين كثير ولله الحمد قديما وحديثا .
-وأن الكافر في المقابل، ليس متعته في الدنيا إلا كمثل الأنعام ..يأكل ويشرب وينكح وينام ..وليس يذوق طعم السعادة الحقيقي قطّ ..وإنه ليتراءى لك ما أقول إذا تأملت في قصص الداخلين في دين الله أفواجًا، في الغرب والشرق وفي كل مكان ..
-والقيود الموصوفة في المثال وما في امتثال الدين من بذل شيء من المجهود، إنما هي لأجل مصلحة الإنسان، في إطار من عبودية الرحمن ..فيكون بذا حرا من العبودية لأيِّ أحدٍ سواه سبحانه وتعالى، وذلك هو التحرير الحقيقي للإنسان، وما تلكم "القيود" بإعناتٍ له فإن من كبير المقاصد التشريعية قول الباري جل ثناؤه {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقوله: {وما جعل عليكم في الدين من حرج }
حريٌّ هنا أن يقال :شبيهٌ بهذا التقرير ما يسمى رِهان باسكال الفيلسوف الرياضي.ومن اللطيف أن تعلم بأني لم أستفد هذا من باسكال، بل قد أشار الباري عز وجل في كتابه العزيز إلى هذا الدليل على عادته سبحانه في الإبانة بأبلغ عبارة فقال تبارك وتعالى:{قل أرأيتم إن كان من عندِ اللهِ ثُمَّ كفرتُمْ بهِ مَنْ أضلُّ ممّن هو في شِقاقٍ بعيدٍ * سنريهم آياتِنا في الآفاقِ وفي أنفسِهم حتى يتبينَ لهم أنَّهُ الحقُّ أولم يكفِ بربِّكَ أنَّهُ عَلى كُلِّ شيءٍ شهيدٌ * ألا إنَّهم في مِرْيةٍ من لقاءِ ربِّهِم ألا إِنّهُ بِكُلِّ شيءٍ محيطٌ} (فصلت: 52-54)
ثم قدّر لي فيما بعد أن أطلع على أن باسكال الفرنسي وضع شيئًا قريبا منه من حيث المعنى الإجمالي..بعد أن نظمتُ الدليل في نحو الصورة السابقة ..
قال ابن عاشور رحمه الله في تفسيره معقبا على الآية الأولى: "وهذا من الكلام المنصف واقتصر فيه على ذكر الحالة المنطبقة على صفاتهم تعريضا بأن ذلك هو الطرف الراجح في هذا الإجمال كأنه يقول : كما أنكم قضيتم بأنه ليس من عند الله وليس ذلك معلوما بالضرورة فكذلك كونه من عند الله فتعالوا فتأملوا في الدلائل، فهم لما أنكروا أن يكون من عند الله وصدوا أنفسهم وعامتهم عن الاستماع إليه والتدبر فيه فقد أعملوا شهوات أنفسهم وأهملوا الأخذ بالحيطة لهم بأن يتدبروه حتى يكونوا على بينة من أمرهم في شأنه، وهو إذا تدبروه لا يلبثون أن يعلموا صدقه، فاستدعاهم الله إلى النظر بطريق تجويز أن يكون من عند الله فإنه إذا جاز ذلك وكانوا قد كفروا به دون تأمل كانوا قد قضوا على أنفسهم بالضلال الشديد، وإذا كانوا كذلك فقد حقت عليهم كلمات الوعيد ." (3)
ولا يعكّر على هذا النوع من الاستدلال الذي سبق التنويه بأن بعضهم قد ينسبه لباسكال: أن يقال هناك احتمالات أخرى كاحتمال تعدد الأرباب، فهذا فرض معارض للعقل، إذ الشراكة في الربوبية تناقض معنى الربوبية نفسها..
وقد حاول الملحد مايكل مارتن وضع رهان مقابل يرد به على رهان باسكال ومن ذلك ما مفاده :
بأن الإله قد يجازي على عدم الإيمان وعندئذ يغامر المرء بسعادة أبدية حين يؤمن بإله دون دليل بدلًا من عدم الإيمان بنحو مبرَّر..وهذه محاولة للقلب بالمغالطة ..بل مغالطات :
-فقوله قد يجازي على عدم الإيمان، هذا مجرد فرض تعسفي مخالف لبدائه العقول..فمقتضى العدل الصريح والعقل الفصيح أن الإيمان بالإله هو المقتضي للثواب لا الكفر !..وهذا شيء فطري لا يحتاج إلى تدليل..
-وقوله حين يؤمن بإله دون دليل، مغالطة أخرى ودعوى فجة وقد عقّب الله تعالى الآية السابقة بالرد إلى الاعتبار بآيات الأنفس والآفاق، ولو سلمنا- تنزلًا جدليًا معه- أنه لا دليل على الإله ولا على نفيه، لكان مقتضى الرهان في صالح أهل الإيمان، مع العلم أن أعتى الملاحدة في الأرض لا يجترئون على دعوى وجود دليل النفي ، وإنما أقصى ما يتبجحون به دعوى عدم وجدان الدليل على الثبوت، فنحن نقول لهم قد وجدنا الأدلة المتكاثرة لا دليلا واحدا : فهلمّ ندلكم عليها لتبصروا ما رأينا وتقفوا على ما وقفنا، فإن عدم وجدانكم للدليل –على فرض صدقكم –لا يعني عدم الدليل، لما تقرر في العقول السوية :أن عدم الدليل المعين ليس دليلا على العدم
-وزعمه أن عدم الإيمان "مُبَرّر" يقال فيه : النفي كالثبوت كلاهما بحاجة لدليل، بل دعوى النفي في القضايا الوجودية أعرض عادة من دعوى الثبوت، فلو أن رجلا قال : لا حية في صحراء سيناء، وقال آخر هناك حية في تلك الصحراء،لكان الأول أحرى بطلب الدليل من الثاني لأن دعواه عريضة جدا، فهي تقتضي أنه مسح الصحراء كلها شبرًا شبرًا حتى تحقق من خلوها من الحيّات ..! وأما الأول فلو عثر يوما ما على حية واحدة أو نقل عن ثقة مأمون أنه رآها فيها لكان كلامه مقبولا ..
واعلم أنه مهما حاول الملحدون افتراض أشياء لقلب الدليل فهي لا تنفعهم لأن قصارى أمرهم أن يقترحوا افتراضًا ما يتكلّفونه، فيقول قائلهم قد يكون كذا ..فأين هذه الافتراضات الشاذة المتعسفة من قضية وجودية كبرى يشهد بها واقع البشرية جمعاء ولا يعرف بإنكارها إلا شذّاذ من الناس ..وما ظاهرة الإلحاد في العصر الحديث إلا ردّة على حقبة من الطغيان الكنسي وجملة من الملابسات المتعلقة بتاريخ الفكر الأوربي، فهو ردة فعل نفسية على دين محرّف وخرافات جثمت على الإنسان في أوروبا ، ثم أريد إلباس هذه الظاهرة الإلحادية الحديثة ثوب العلم ..وهيهات !
هذا، وقد جاء نظير للآية السابقة في موضع آخر من كتاب رب العزة، فأما الأولى فأعقبها بالتنبيه إلى آيات الآفاق والأنفس، ثم في الموضع الثاني قال تبارك اسمه {قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}،فعقّب هذه المرة بعد جملة {أرأيتم إن كان من عند الله ...} بالتنبيه على دلالة ما في كتب أهل الكتاب من الدلائل على البشارة برسول الله محمد –صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيرها : "أي : وقد شهدت بصدقه وصحته الكتب المتقدمة المنزلة على الأنبياء قبلي، بشرت به وأخبرت بمثل ما أخبر هذا القرآن به" .
هذا النوع من الأدلة هو مما حدا بكثير من أهل الكتاب {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} أن يدخلوا في دين الله فيما مضى ومنهم من ألّف في ذلك مصنّفات : كعليّ بن ربّن، والسموءل المغربي وفي العصر الحديث كعبد الأحد داود وغيرهم ، والحمد لله ربّ العالمين.
هوامش المقال
1- تاريخ دمشق حديث رقم 4475
2- الوابل الصيّب ط.المجمع ص 109،110.وانظر نقولًا مشابهة في نفس الكتاب عن شيخ الإسلام وغيره.
3- تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور 25 / 16, ط الدار التونسية للنشر 1984 م
الاسلام,اخبار,مقالات اسلامية,اسلام
دراسة جدوى ..بين الإيمان والكفر !, دراسة جدوى ..بين الإيمان والكفر !, دراسة جدوى ..بين الإيمان والكفر !, دراسة جدوى ..بين الإيمان والكفر !, دراسة جدوى ..بين الإيمان والكفر !
المصدرمحور المقالات - إسلام ويب http://ift.tt/1ILCNLT
via موقع الاسلام
from موقع الاسلام (رسالة الحق والسلام) http://ift.tt/1myWs7b
via IFTTT
0 comments:
Post a Comment