3lislam الإنسان بين الإسلام والإلحاد الاسلام
Written By on Saturday, 14 May 2016 |
لطالما كان الإنسان في صلب الاستشكالات الفكريّة، ومحيط الفلسفات الشرقيّة منها والغربيّة، وكل الدعوات الملحدة واللادينيّة ما هي إلا محاولاتٌ لتضع للإنسان منهجاً يخرجه عن فطرته، وعن الصراط الذي قدّمه له الدين الحق، لذلك كان الإنسان على موعدٍ مع الضنك والحزن والحيرة والشك بفعل هاته المذاهب، وذلك من وجوهٍ إليكَ بيانها :
الوجه الأول : الجزم بأن عقل الإنسان كفيلٌ بأن يهديه وينيره في طريقه الحياتيّة، وفي حقيقة الأمر أن العقل البشريّ آلةٌ قاصرةٌ، لا يقدر أن يهدي إلى جادة الصواب الحق مجرّداً دون دينٍ ووحيٍ، فالعقل ليس وحده كافياً للتبصير بالطريق المستقيم، لأنه عقلٌ ليس قادراً قدرةً متكاملةً على معرفة كل شيءٍ، وكمثال فإن العقل يستطيع النفاذ إلى العالم المحسوس، بل هو يبدع في ميدان الملاحظة والتقليب ومعرفة أبعاد هذا المحسوس، إنما يعجز عجزاً تامّاً على النفاذ إلى عالم الغيب إلا بهدىً من الوحي، ومن هنا يتضح لك مدى التناقض الذي يعيشه أهل الإلحاد كما أهل اللادينيّة الربوبيّة في تصوّرهم للإله، لأنه لا يخبرك عن الله إلا الله، وذلك يكون عبر رسالته الحقّة وليس شيئاً غير ذلك.
الوجه الثاني : دفع الإنسان إلى خلع كل قيدٍ من قيود الأخلاق، والاندفاع المتسيّب في الحياة لتحقيق الإشباع الغرائزي واتباع الأهواء، فالإنسان يعلم بفطرته أغلب مفاهيم الخير والشر، والمتدين يعلم أنه ممتحن في هاته الحياة ومخيّر في عمل إحدى هاته الثنائيتين، فالإسلام اعترف بهاته الرغبات والغرائز، لكنه أعطى لها تصريفاتٍ في الحلال ليحافظ على الكيان الذاتي للإنسان وعلى الحياة الراقية الاجتماعيّة، فكان ضابط الاعتدال فيه كالميزان الذي يحافظ على المجتمع من كل دعواتٍ للرذيلة والرجس، وكشف للإنسان قبل أن يظهر لنا علم النّفس والاجتماع عن الخطر الذي يلحق بأي مجتمعٍ إن سلك أسلوب التحرر المطلق.
الوجه الثالث: إخضاع الإنسان للنظريّات الماديّة ومحاولة قولبته في هاته القوالب، جنت على الإنسان أيما جنايةٍ، لأن الأخير لا يقبل أن يخضع لهاته القوالب، لأنه مكوّن من روحٍ وجسدٍ، من مادّةٍ وعواطف، من عقلٍ وقلبٍ، لا بدّ أن يحكمه علمٌ مخالفٌ للنظريّة الماديّة التي تقزّم النظرة إلى الكون والحياة، فمنهج دراسة الإنسان عليها أن تكون شاملةً متكاملةً بوصفه عقلاً وجسداً لا جسداً ومادةً فقط !
الوجه الرابع : اختزال الإنسان على أنه حيوانٌ متطورٌ، جنى على البشريّة كثيراً، فلا بد للبشريّة من مرتكزِ ثابت لها تستطيع أن تتحرك حوله، وقد عانت البشريّة ولا تزال حقباً من العنصريّة المقيتة التي تقوم على أساس أن الإنسان الأبيض هو أرقى المخلوقات والإنسان الأسود هو أدنى أعراق البشريّة! فليس الإنسان حيواناً كما تقول الماديّة، وليس مخطئاً منذ ولادته متوارثا الخطيئة كما تقول بعض العقائد، وليس هو مجبوراً على التناسخ كما تقول أديان الهند، وليس عبداً للأهواء والشهوات كما يقول بها الإلحاد، بل الإنسان كائن راقٍ استخلفه الله في الأرض، حتى يعمّرها بالخير، ويعيش في سبيل الخير، وليس هو كالحيوان غير مكلّفٍ بشيءٍ، ينام ويصطاد ويتجاوز، بل هو إنسانٌ حمل أمانةَ التوحيد، فضّله الله على كافّة المخلوقات على هذا الأساس، ألى ترى كيف أن كل المخلوقات الحيوانيّة تخضع لإرادة الإنسان شاءت أم أبت ؟ فما سرّ ذلك ؟ إن لم يكن تسخيراً ربانيّاً وفضلاً إلهيّاً.
الوجه الخامس : الجزم بأن الإنسان كان وثنيّاً ثم أصبح موحدا، في نظرياتٍ تحاول أن تثبت بأن الدين ما هو إلا اختراع بشريّ، دونما بيّنةٍ أو دليلٍ من طرفهم ! بل بدأ الإنسان موحدا في الأصل ثم سقط في خطأ الوثنية بتحريف الرسالات، ثم ظلّت الكتب تعيدة مرةً تلو مرةٍ إلى جادة التوحيد! -1-
تلك خمسة وجوهٍ حاول في الإلحاد أن يضحك على عقل البشريّة، لكيّ يحرمها من ربّها وخالقها ! متناسياً أن الإنسان في طبيعته بحاجةٍ إلى التوجيه الإلهي الربّاني، طبيعةٌ فيه منذ الخلق لا تتخلّف : {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ( الروم : 30)
إنه دينٌ حنيفٌ خالٍ من شوائب الشرك، موافقٌ للفطرة الإنسانية، سمحٌ سهلٌ لا عنَتَ فيه، يقول ابن عاشور رحمه الله في تفسيره : " بأن الفطرة هي النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق، والفطرة التي تخص نوع الإنسان هي ما خلقه الله عليه جسداً وعقلاً، فمشي الإنسان برجليه فطرة جسدية، ومحاولته أن يتناول الأشياء برجليه خلاف الفطرة الجسدية، واستنتاج المسببات من أسبابها والنتائج من مقدماتها فطرة عقلية، ومحاولة استنتاج أمر من غير سببه خلاف الفطرة العقلية وهو المسمى في علم الاستدلال بفساد الوضع، وجزمنا بأن ما نبصره من الأشياء هو حقائق ثابتة في الوجود ونفس الأمر فطرة عقلية، وإنكار السوفسطائية ثبوت المحسوسات في نفس الأمر خلاف الفطرة العقلية... فوصف الإسلام بأنه فطرة الله معناه أن أصل الاعتقاد فيه جار على مقتضى الفطرة العقلية، وأما تشريعاته وتفاريعه فهي: إما أمور فطرية أيضاً، أي جارية على وفق ما يدركه العقل ويشهد به، وإما أن تكون لصلاحه مما لا ينافي فطرته." -2-
ففطرة الإنسان لا تبديل فيها، وإلا لما رأيتَ الغربيين يعتنقون هذا الدين بالمئات والألوف في كل عام !! وإن تعجب فمن أن أمّة هذا الدين تعاني تخلّفاً ظاهراً وحروباً وفتن ظاهرة، ومع ذلك تجد دينها يطرق أبواب أعتى الحضارات الغربيّة اليوم !
فمن طبيعة البشريّة أنها نزّاعة للفرح والفخر إن جاءها خيرٌ، وإلى اليأس والقنوت إن جاءها الشر، وعلاجها في الصلاة والاتصال بخالقها وبارئها، كعلاجٍ يستمرّ طيلة مدة حياتها على الأرض، لينقذها من مرضها المزمن الذي يحضر في كل إنسانٍ ومع كل جيلٍ، ولن تستطيع البشريّة مهما ارتقت ماديّاً وارتفعت في سلم التقنيّة أن تقول أنها لا تحتاج إلى وصاية الدين في حياتها، أو توجيه الإله في مسيرتها، وأنت ترى اليوم كمّ المشاكل الحضاريّة والاجتماعيّة والنفسيّة التي يعيشها مواطنو العالم المتحضر ! فتركيبها النفسيّ أنها تنسى وتغفل في مشاغل حياتها، وفي حاجة إلى ناقوسٍ يدق، إلى شيءٍ يذكرها في غمرة نسيانها هذا، ولا شيء أفضل من القرآن .
وحتى في باب التشريع والأخلاق، فالإنسان في حاجة إلى ضوابط تكفل له المسير إلى الطريق المستقيم، ولن يستطيع أن يبلغ طريق الرشد إلا إذا أرشده الإله الخالق عن طريق الوحي .
فالأخلاق في مجموعها ضوابط لعلاقات الفرد بأخيه، والتشريع بمجموعه ضوابط لعلاقات الفرد بجماعته، ومن هنا ضرورة وجود آليتي " الضبط " " والكظم " والتي يفتقر إليها الإلحاد وسائر المذاهب الفكرية المعاصرة !
إن الخطر الداهم الأكبر على البشريّة اليوم، ليس متمثلاً في اعتناق الدين، بل في اعتناق هاته المذاهب الفكريّة الهدّامة المعارضة لطبيعة البشر، والمناهضة لدوافعهم، تهدم كل ما تتطلع إليه البشريّة من خيرٍ، وتعيد إقامة العلاقات بين البشر على أساس البغضاء والتحاسد والتحارب، والمصالح الضيقة، والأنانيّة المنتشرة.
إن العالم اليوم يعيش في بؤسٍ ويتجه نحو عدميّةٍ مهلكةٍ، تهدد السلامة النفسية والجسديّة لكل شعوب العالم، بل وتشكّل خطراً على الوجود الإنسانيّ ككلٍّ، فلا حياة للبشريّة إن لم تجد خالقها، ولم تهتد إلى دين ربّها وبارئها، وستظلّ تعاني في ظلّ هاته الفلسفات الهدّامة، حتى يأتي أمر ربّها وهي في غفلةٍ فما ينفعها شيءٌ بعدها : { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون } ( يونس : 24).
هوامش المقال
-1- سوف نكتب مقالاً مفصّلا في ردّ هاته الفرية إن شاء الله تعالى.
-2- تفسير التحرير والتنوير، الآية 30 من سورة الروم .
الاسلام,اخبار,مقالات اسلامية,اسلام
الإنسان بين الإسلام والإلحاد, الإنسان بين الإسلام والإلحاد, الإنسان بين الإسلام والإلحاد, الإنسان بين الإسلام والإلحاد, الإنسان بين الإسلام والإلحاد
المصدرمحور المقالات - إسلام ويب http://ift.tt/1WxQ8Nx
via موقع الاسلام
from موقع الاسلام (رسالة الحق والسلام) http://ift.tt/1OtZCAL
via IFTTT
0 comments:
Post a Comment