3lislam الحجج الباهرة في دفع شُبَه التدوين الخفية والظاهرة الاسلام
Written By on Saturday, 16 April 2016 |
الشُّبَه التي يثيرها أعداء الإسلام وخصومه حول هذا الدين وتعاليمه أكثر من أن تحصى، وكثير من هذه الشُّبَه موجه إلى السنة النبوية وحجيتها، وهي في معظمها شُبَهٌ واهية ضعيفة، بل هي أوهى من بيت العنكبوت لمن أراد أن ينظر إليها بعين البصيرة، أو أراد أن يعرف الأمور على حقيقتها، ولكنها في ذات الوقت خطيرة ومضللة، وما هذا الطعن والتشكيك منهم إلا محاولات منهم لإطفاء نور الله تعالى، ولكن الله تعالى تعهد بحفظه، فأنى لهم ذلك، قال سبحانه: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (التوبة: 32).
ومن هذه الشبه التي كانت وما تزال تثار جيلاً بعد جيل، وزماناً بعد زمان، من قبل أعداء هذا الدين، وهي تثار اليوم من قبل المستشرقين وأتباعهم من أبناء جلدتنا: شبهة التأخر في تدوين الحديث الشريف، ويلحق بها شبهة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث، ثم نهي الخلفاء الراشدين عن ذلك، ثم الخلفاء الأمويين، حتى جاء الخليفة عمر بن عبد العزيز في بداية القرن الثاني فسمح بذلك، مما أدى بزعمهم إلى ضياع الكثير من الأحاديث وعدم التأكد من دقة ألفاظه.
ويعتمد هؤلاء المشككون في إثارتهم لهذه الشبه على عدة روايات، من أشهرها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكتبوا عني شيئاً إلا القرآن، ومن كتب عني شيئاً فليمحه) رواه مسلم، ولكنهم ينسون أو يغضون الطرف بقصد أو بدون قصد عن أحاديث أخرى كثيرة صحيحة يصعب حصرها، نذكر منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي يقول فيه: قلت يا رسول الله، إني أسمع منك الشيء فأكتبه؟ قال: (نعم)، قلت: في الغضب والرضا؟ قال: (نعم، فإني لا أقول إلا حقاً) رواه البخاري، ونسوا كذلك قصة الرجل الذي يعرف بأبي شاه، من أهل اليمن، الذي سمع خطبة حجة الوداع، وكان أمياً، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئاً، فقال صلى الله عليه وسلم: (اكتبوا لأبي شاه) متفق عليه، ونسوا كذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي يقول فيه: "لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثاً مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه كان يكتب ولا أكتب" رواه البخاري.
تحدث العلماء وبينوا أن هذا النهي الذي ذكره الصحابي أبو سعيد الخدري كان في بداية العهد، وأن سببه هو خشية اختلاط الحديث بالقرآن، ذلك أن القرآن يجب حفظه وتلاوته على الصورة التي أنزله الله تعالى عليه، لفظاً ومعنى وتراكيب، دون إخلال أو تغيير أي حرف منه، أما الأحاديث فيجوز ذلك عند الضرورة. ولكن بعض منكري السنة وكثير من المستشرقين وأتباعهم استغلوا هذه الحديث وأشاعوه دون إشارة منهم لأحاديث الإذن الأخرى، التي ذكرنا بعضاً منها، وهي كلها صحيحة وكان هدفهم من هذا محاولة الطعن والتشكيك في صحة الأحاديث، وبيان أن تأخر التدوين كان سبباً في ضياع كثير من الأحاديث، وفي اختلال بعضها، وعدم بقائها على الصورة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحاول كثير من هؤلاء المشككين الاعتماد على روايات تقول أن الخلفاء الراشدين أثناء حكمهم كانوا لا يقبلون الأحاديث إذا رواه شخص واحد، وكانوا يطلبون من يؤيده في ذلك، ومعنى ذلك عنهم أنهم كانوا يشككون في عدالة الصحابة، ويأتون بالأدلة التي تثبت مثل هذه الحوادث، فقد كان الخليفة أبو بكر الصديق وعمر وعلي لا يقبلون الحديث إذا صدر من راو واحد، وكانوا يستحلفونه على ذلك. كما في مسألة الجدة في زمن أبي بكر، أو مسألة الاستئذان التي يستدلون عليها في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وغيرها من المسائل..
ونقول في تفنيد ودحض هذه الشبهة: إن تشدد هؤلاء الخلفاء في قبول الرواية ينبغي أن يكون مدحاً لهم لا ذماً، وأن يكون باعثاً على الرضى عنهم عملهم لا على السخط عليهم، فهو في صالح الحديث، لأنه بهذا أسس لمسألة عدم التساهل، وعدم فتح باب التسيب في هذا الأمر. أما ما يحتجون به أن أمير المؤمنين عمر استشار الصحابة في تدوين السنة فوافقوه ثم عدل عن ذلك، فهو يدل على أنه هو الذي استشار ولم يكن يمانع، ويعني أن الصحابة وافقوه على هذا الأمر، ولذلك فأمر التدوين كان متفق عليه عند الصحابة جميعاً، ولكن حصل أن حالت ظروف معينة دون تحقق هذا الأمر بصورة عامة رسمية لأسباب كثيرة، منها الأحداث التي كانت تحدث يوماً بعد يوم، والتي لعل من أهمها أن الخليفة عمر قتل قبل أن يتم له مثل هذا الأمر، وليس هناك دليل واحد على أنه منع غيره من أن يقوم بمثل هذا العمل، وقد قام به أفراد من الصحابة والتابعين بعدهم بلا شك.
وقد استمر مثل هذا الرأي وهو إجماع الصحابة على ضرورة تدوين السنة، ولكن الأحداث التي كانت تزداد ضراوتها يوماً دون يوم، لم تساعدهم في تحقق هذا الأمر بصورة رسمية، حتى جاء زمن عثمان فأراد أن يقوم بمثل هذا الأمر، ولكنه وجد أن ضرورة جمع القرآن كانت أولى بالنسبة له، فعمد إلى إكمال ما قام به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حول هذا الأمر، وكان شديد الحرص على جمع السنة، ولكن الموت عالجه وضخامة الأحداث الكبيرة حالت دون ذلك.
ويثير أعداء الإسلام مسألة تحريق الأحاديث، ويعتمدون على أدلة منها كما جاء في كتاب تذكرة الحفاظ للذهبي وغيره أن أم المؤمنين عائشة تحدثت عن أبيها الصديق رضي الله تعالى عنه أنه جمع الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت حوالي خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيراً، ثم دعا بنار فأحرقها، تقول عائشة: فقلت له: لم أحرقتها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به، ولم يكن كما حدثني، فأكون قد نقلت ذاك.
يحاول منكرو السنة بيان أن حرق أبي بكر لهذه الأحاديث وهو في مقام الخليفة، أنه رفض للحديث وإعلان عدم سماح منه بتدوينها وانتشارها، فرفضه هذا وتشكيكه فيها يدل على عدم حجيتها بزعمهم، لأن مقام أبي بكر يعني أنه أدرى الناس بما ينبغي أن يهتم به، وما ينبغي أن يحرق ويتلف، فحرقه لها يعني عدم أهميتها، وعدم حجيتها، ولذلك يرون أنه بهذا قطع بعدم أهميتها، ومنع تدوينها، والرد عليهم: أنه لم يثبت أن أحداً من المتقدمين المعتمدين ذكر مثل هذه الحادثة، ولعل الإمام الذهبي هو من أشهر من ذكرها، ثم إن كانت هذه القصة صحيحة فإن مجرد جمعه دليل على أهميتها، أما حرقه فقد صرح من خلال القصة أن السبب هو أنه لم يتثبت في صحة وصدق من رواها عنهم، وهذا يعني أنه لم يسمعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم، فهو حرقها كما تقول القصة لتردده في صدق الراوي الذي رواها عنه، حيث قال: "ولم يكن كما حدثني" يعني لعله نسي أو لم يضبط، أو حصل معه شيء من الغفلة والنسيان وعدم التحري، فهو بهذا كما تقول القصة كان شديد الحرص على الدقة والتأكد من صحة الحديث، وليس رفض للحديث إن كان متأكداً من صحة ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما مسألة تأخر تدوين السنة وقولهم: أن السنة لو كانت مهمة عند الصحابة ومن بعدهم لعجلوا في جمعها وكتابتها وتدوينها كما صنعوا بالقرآن الكريم، وأن معنى إهمالهم لها وتأخرهم في تدوينها هو دليل على عدم أهميتها، حيث إنها لم تدون إلا في القرن الثاني من الهجرة، وغير ذلك مما يتعلق بهذه الشبهة، فهذه الشبهة الظاهرة، والتي تحمل في طياتها العديد من الشبه الخفية، نقول في ردها: لا يعني عدم تدوين السنة في عهد الخلفاء الراشدين بصورة رسمية - تشرف عليها السلطة في ذلك الوقت - أن ذلك العهد كان يخلو من تدوين لها، فقد ثبت بالأدلة القوية القاطعة، أن كتابة الحديث وتدوينه بصورة فردية لم ينقطع في لحظة من اللحظات، والأدلة في مظانها وهي أكثر من أن تحصى، وقد ذكرنا بعضاً منها، ولا يعني ذلك أن علماء الحديث كانوا لا يعترفون بأن التدوين كان قليلاً، ولكنهم يرون أن لذلك أسباب، منها: أن معظم الصحابة كانوا يحفظون ويعرفون هذه الأحاديث، وهي ما يتعلق بالسنة القولية، فهي محفوظة في صدورهم، فكانوا لا يرون ضرورة لكتابتها بسبب حفظهم لها، وأما بشأن السنة العملية الفعلية فإنهم كانوا مطلعين على كل أو معظم ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم من سنة فعلية، فهم يقلدونه ويتأسون به في كل أعماله، ولهذا فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتذاكرون ويتداولون هذه السنة فيما بينهم، وكانوا يسألون بعضهم عن أي حديث أو سنة يحتاجون إليها.
ومن الأسباب كذلك: قلة المواد والأدوات التي كانت تستعمل للكتابة، فلم يكن الورق موجوداً بالصورة التي في أيامنا هذه، ولم تكن الكتابة سهلة إلى هذه الدرجة، فكانوا يجعلون هذه الأمور لكتابة القرآن الكريم، حتى لا يضيع أو يتغير أو يتبدل، ومن الأسباب كذلك بل لعله من أهمها على الإطلاق: أن المعتمد في صحة ورواية الحديث هو المحفوظ من الراوي الضابط الثقة، وليس المكتوب؛ إذ لو كان المعتمد من الحديث هو أن يكون مكتوباً لكان الواضعون يحرصون على الكتابة، ويقولون: هذا حديث وجدناه مكتوباً، ولكن المهم هو أن يروي هذا الحديث من يتصف بصفة العدالة والضبط، فإن كان هذا الراوي الثقة الضابط يحفظ ويكتب فهو أفضل، أما إن كان الراوي غير ثقة وقال: هذا حديث مكتوب، فلا يعني مجرد كونه مكتوباً أن يقبل، لأن العدالة في الرواة هي الأولى، وهي المطلوبة، ولذلك كان المعتمد هو الراوي الذي يأتي بالحديث، فإن كان عادلاً موثقاً، قبل حديثه، سواء كان مكتوباً أو محفوظاً، ولا شك أن الحديث الذي تجتمع فيه صفة الحفظ والكتابة من قبل الراوي العادل الثقة معاً يكون أكثر قبولاً، لأنه يكون أكثر اطمئناناً إلى صحته ودقته.
ولا شك أن هناك شبه أخرى كثيرة، يثيرها أصحاب النفوس المريضة، تندرج في معظمها تحت هذه الشبهة، وهي كلها واهية، وكلها رد عليها العلماء ودحضوها بما لا يدع مجالا للشك، ولكن المقام لا يتسع لإيراد كافة هذه الشبه والرد عليها وإبطالها، فالأمر أصعب من ذلك، ولكن خير الكلام ما قل ودل، وما بيناه دليل على ما بعده.
ولكن يبقى هناك شبهة واحدة خفية، حول هذا الأمر، حيث يقول المشككون: إن عملية تدوين الحديث في بداية القرن الثاني كانت بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز، فهو الذي أمر بها، ورعاها وتابعها، وأشرف عليها، وهذا يعني كما يزعمون أن عملية الجمع والتدوين كانت تتم في قصور الأمراء، وتحت إشرافهم، أي أنها كانت تخضع لآرائهم وأهوائهم، فما أرادوا أن يثبتوه ويجعلوه حديثاً جعلوه، وما أرادوا أن يحذفوه حذفوه، وهذا معناه عدم الأمان على صحة الأحاديث لأنه قد يكون نالها شيء من التغيير أو التبديل، بسبب مثل هذا الأمر، ويضيف بعض المشككين والطاعنين في السنة أن الأمراء والسلاطين في ذلك الوقت كانوا يغرون القائمين على هذا الأمر بالمال الكثير حتى يقومون بتزوير الأحاديث وتحريفها، وللرد على ذلك نقول: إن علماء الحديث كالإمام الزهري وغيره الذين قاموا بهذا الدور كانوا أكثر ورعاً وتقوى من أن يتهموا بمثل هذه التهمة، وقد أجمع المؤرخون أنهم كانوا لا يحابون الحكام والسلاطين، بل إنهم كانوا لا يأبهون بكل ما في الدنيا من لذة ومتاع، وهم أنفسهم الذين كانوا يرون الأحاديث التي تحث على مثل هذا الأمر، كحديث: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) رواه أبو داود، وغيره من الأحاديث، بل إن هؤلاء العلماء كان كثير منهم لا يقبل الحديث عن الراوي الذي يعرف بكثرة تردده على السلاطين، وكانوا يعلمون أن شرار العلماء هم الذين يغشون الأمراء، وأن خيار الخلفاء هم الذين يغشون العلماء. وإن مواقف أمثال هؤلاء العلماء مع الخلفاء مشهورة معروفة، يصعب الوقوف عليها أو حصرها، وهي في مظانها، فمواقف الإمام الزهري مع الخليفة الوليد بن عبد الملك مشهورة معروفة، وهي مبثوثة في ترجمته رحمه الله تعالى، لمن أراد أن يطمئن على صدقهم وعدالتهم وأمانة جانبه في هذا الشأن، ولا شك أن الموضوع يحتاج أكثر من هذا، ومن أراد المزيد فعليه بكتب السنة وما يتعلق بحجيتها، وهي كثيرة يصعب حصرها وفيها العديد من الحجج والأدلة الباهرة التي تفند كل هذه الشبه وما يتعلق بها، وتبطلها وتهدم أهداف قائليها، لتبقى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ناصعة كالمحجة البيضاء، بهمة الجهابذة من العلماء الصادقين، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغلين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) رواه أبو داود، هذا والله تعالى أعلم.
الاسلام,اخبار,مقالات اسلامية,اسلام
الحجج الباهرة في دفع شُبَه التدوين الخفية والظاهرة, الحجج الباهرة في دفع شُبَه التدوين الخفية والظاهرة, الحجج الباهرة في دفع شُبَه التدوين الخفية والظاهرة, الحجج الباهرة في دفع شُبَه التدوين الخفية والظاهرة, الحجج الباهرة في دفع شُبَه التدوين الخفية والظاهرة
المصدرمحور المقالات - إسلام ويب http://ift.tt/1Vt8JsV
via موقع الاسلام
from موقع الاسلام (رسالة الحق والسلام) http://ift.tt/1qyr4rj
via IFTTT
0 comments:
Post a Comment