3lislam ترجمة القرآن الكريم الاسلام
Written By on Sunday, 12 November 2017 |
ترجمة القرآن الكريم إلى لغات العالم -وخاصة إلى اللغات الحية- أمر على غاية من الأهمية؛ لما تقوم به هذه الترجمة من تعريف بأصول الإسلام، وبيان لقواعد هذا الدين الحنيف، بيد أن ترجمة القرآن الكريم ليست بالأمر اليسير، وليس بإمكان أي أحد أن يتصدى لهذه المهمة الشاقة، بل لا بد من توافر جملة من الشروط والضوابط التي يجب مراعاتها في عملية الترجمة.
ويَحسُنُ بنا أن نمهد لهذا الموضوع بذكر معنى الترجمة وأقسامها، فنقول: الترجمة تطلق في اللغة على معنيين:
الأول: نَقْلُ الكلام من لغة إلى لغة أخرى، دون بيان لمعنى الأصل المترجَم، وذلك كوضع رديف مكان رديف من لغة واحدة.
الثاني: تفسير الكلام وبيان معناه بلغة أخرى.
قال الزَّبيدي في "تاج العروس": "والتَّرجُمان المفسِّر للسان، وقد ترجمه وترجم عنه: إذا فسر كلامه بلسان آخر. وقال الجوهري: وقيل: نقله من لغة إلى لغة أخرى".
وعلى هذا: فالترجمة تنقسم إلى قسمين: ترجمة حرفية، وترجمة معنوية أو تفسيرية.
أما الترجمة الحرفية: فهي نَقْل الكلام من لغة إلى لغة أخرى، مع مراعاة الموافقة في النظم والترتيب، والمحافظة على جميع معاني الأصل المترجَم.
وأما الترجمة التفسيرية: فهي شرح الكلام وبيان معناه بلغة أخرى، دون مراعاة لنظم الأصل وترتيبه، ودون المحافظة على جميع معانيه المرادة منه.
والترجمة الحرفية للقرآن: إما أن تكون ترجمة بالمِثْل، وإما أن تكون ترجمة بغير المِثْل، أما الترجمة الحرفية بالمثل: فمعناها أن يُتَرْجَم نَظْم القرآن بلغة أخرى تحاكيه كلمة بكلمة، بحيث تَحِلُّ مفردات الترجمة محل مفرداته، وأسلوبها محل أسلوبِهِ، حتى تتحمل الترجمة ما تحمَّلَهُ نَظْمُ الأصل من المعاني المقيدة بكيفياتها البلاغية وأحكامها التشريعية، وهذا أمر غير ممكن بالنسبة لكتاب الله العزيز؛ وذلك لأن القرآن الكريم نزل لغرضين أساسين:
أولهما: كونُه آية دالَّة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه عز وجل؛ وذلك بكونه معجِزاً للبشر، لا يقدرون على الإتيان بمثله، ولو اجتمع الإنس والجن على ذلك.
ثانيهما: كونه هداية للناس لما فيه صلاحهم في دنياهم وأخراهم.
أما الغرض الأول: وهو كونه آيةً على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمكن تأديته بالترجمة بالاتفاق؛ فإن القرآن -وإن كان الإعجاز في جملته لعدة معان؛ كالإخبار بالغيب، واستيفاء تشريع لا يعتريه خَلَل، وغيرِ ذلك مما عُدَّ من وجوه إعجازه- إنما يدور الإعجاز الساري في كل آية منه على ما فيه من خواصٍّ بلاغية، جاءت لمقتضيات معينة، وهذه لا يمكن نقلها إلى اللغات الأخرى اتفاقاً؛ فإن اللغات الراقية وإن كان لها بلاغة؛ ولكن لكل لغة خواصها، لا يشاركها فيها غيرها من اللغات، وإذن فلو تُرجم القرآن ترجمة حرفية -وهذا محال- لضاعت خواصُّ القرآن البلاغية، ولنزل من مرتبته المعجزة إلى مرتبة تدخل تحت طوق البشر، ولفات هذا المقصد العظيم الذي نزل القرآن من أجله على محمد صلى الله عليه وسلم.
أما الغرض الثاني: وهو كونه هداية للناس إلى ما فيه سعادتهم في الدارين، فذلك باستنباط الأحكام والإرشادات منه، وهذا يرجع بعضه إلى المعاني الأصلية، التي يشترك في تفاهمها وأدائها كل الناس، وتَقْوَى عليها جميع اللغات، وهذا النوع من المعاني يمكن ترجمته واستفادة الأحكام منه، وبعض آخر من الأحكام والإرشادات يستفاد من المعاني الثانوية، ونجد هذا كثيراً في استنباطات الأئمة المجتهدين، وهذه المعاني الثانوية لازمة للقرآن الكريم، وبدونها لا يكون قرآناً، والترجمة الحرفية إن أمكن فيها المحافظة على المعاني الأولية، إلا أنه من غير الممكن المحافظة فيها على المعاني الثانوية؛ ضرورة أنها لازمة للقرآن دون غيره من سائر اللغات.
وبما تقدم يُعلم: أن الترجمة الحرفية للقرآن، لا يمكن أن تقوم مقام الأصل في تحصيل كل ما يُقْصَد منه؛ لما يترتَّب عليها مِن ضياع الغرض الأوَّل برمته، وفوات شطر من الغرض الثاني.
أما الترجمة الحرفية بغير المثل: فمعناها أن يُترجَم نظم القرآن حذواً بحذوٍ، بقدر طاقة المترجِم وما تَسَعُهُ لغته، وهذا أمر ممكن، وهو -وإن جاز في كلام البشر- إلا أنه لا يجوز بالنسبة لكتاب الله العزيز؛ لأن فيه من فاعله إهداراً لنظم القرآن، وإخلالاً بمعناه، وانتهاكاً لحرمته، فضلاً عن كونه فعلاً لا تدعو إليه ضرورة.
وقد تبين أن الترجمة الحرفية بالمثل للقرآن غير ممكنة، وعلى فرض إمكانها، فهي ليست مِن قبيل تفسير القرآن بغير لغته؛ لأنها عبارة عن هيكل القرآن بذاته، إلا أن الصورة اختلفت باختلاف اللغتين: المترجَم منها والمترجَم إليها.
وعلى هذا: فأبناء اللغة المترجَم إليها يحتاجون إلى تفسيره، وبيان ما فيه من أسرار وأحكام؛ كما يحتاج العربي الذي نزل بلغته إلى تفسيره، والكشف عن أسراره وأحكامه، ضرورة أن هذه الترجمة لا شرح فيها ولا بيان، وإنما فيها إبدال لفظ بلفظ آخر يقوم مقامه، ونقل معنى الأَصل كما هو من لغة إلى لغة أخرى.
وأما الترجمة الحرفية بغير المثل، فقد تقدم أن معناها ترجمة نظم القرآن حذواً بحذوٍ، بقدر طاقة المترجِم وما تسعه لغته، وتقدم أن هذا غير جائز بالنسبة للقرآن، وعلى فرض جوازها فهي ليست من قبيل تفسير القرآن بغير لغته؛ لأنها عبارة عن هيكل للقرآن منقوص غير تام، وهذه الترجمة لَمْ يترتب عليها سوى إبدال لفظ بلفظ آخر يقوم مقامه في تأدية بعض معناه، وليس في ذلك شيء من الكشف والبيان، لا شرح مدلول، ولا بيان مجمل، ولا تقييد مطلق، ولا استنباط أحكام، ولا توجيه معانٍ، ولا غير ذلك من الأمور التي اشتمل عليها التفسير المتعارف.
الترجمة التفسيرية للقرآن
تقدم أن الترجمة المعنوية أو التفسيرية للقرآن إنما هي عبارة عن شرح الكلام وبيان معناه بلغة أخرى، دون محافظة على نظم الأصل وترتيبه، ودون المحافظة على جميع معانيه المرادة منه؛ وذلك بأن نفهم المعنى الذي يراد من الأصل، ثم نأتي له بتركيب من اللغة المترجَم إليها، يؤديه على وَفْق الغرض الذي سيق له.
ويجدر بنا هنا أن نذكر الفرق بين الترجمة الحرفية والترجمة التفسيرية، ولإيضاح هذا الفرق نقول:
لو أراد إنسان أن يترجِم قوله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} (الإسراء:29) ترجمة حرفية لأتى بكلام يدل على النهي عن ربط اليد في العنق، وعن مدها غاية المد، ومثل هذا التعبير في اللغة المترجَم إليها ربما كان لا يؤدي المعنى الذي قصده القرآن؛ بل قد يستنكر صاحب تلك اللغة هذا الوضع الذي ينهى عنه القرآن، ويقول في نفسه: إنه لا يوجد عاقل يفعل بنفسه هذا الفعل الذي نهى عنه القرآن؛ لأنه مثير للضحك على فاعله والسخرية منه، ولا يدور بخَلَد صاحب هذه اللغة، المعنى الذي أراده القرآن وقصده من وراء هذا التشبيه البليغ. أما إذا أراد أن يترجِم هذه الجملة ترجمة تفسيرية، فإنه يأتي بالنهي عن التبذير والتقتير مصوَّرَيْنِ بصورة شنيعة، ينفر منها الإنسان، حسبما يناسب أسلوب تلك اللغة المترجَم إليها، ويناسب عادة مَن يتكلم بها، ومن هذا يتبين أن الغرض الذي أراده الله من هذه الآية، يكون مفهوماً بكل سهولة ووضوح في الترجمة التفسيرية، دون الترجمة الحرفية.
وإذا عُلم هذا، أصبح مِن السهل القول بجواز ترجمة القرآن ترجمة تفسيرية، دون أدنى تردد؛ فإن ترجمة القرآن ترجمة تفسيرية ليست سوى تفسير للقرآن الكريم بلغة غير لغته التي نزل بها.
وحيث اتفقت كلمة المسلمين، وانعقد إجماعهم على جواز تفسير القرآن لمن كان من أهل التفسير بما يدخل تحت طاقته البشرية، دون إحاطة بجميع مراد الله، فإنا لا نشك في أن الترجمة التفسيرية للقرآن داخلة تحت هذا الإجماع أيضاً؛ لأن عبارة الترجمة التفسيرية محاذية لعبارة التفسير، لا لعبارة الأصل القرآني؛ فإذا كان التفسير مشتملاً على بيان معنى الأصل وشرحه، بِحَلِّ ألفاظه فيما يحتاج تفهمه إلى الحَلِّ، وبيان مراده كذلك، وتفصيل معناه فيما يحتاج للتفصيل، وتوجيه مسائله فيما يحتاج للتوجيه، وتقرير دلائله فيما يحتاج للتقرير، ونحو ذلك من كلّ ما له تعلّق بِتَفَهُّم القرآن وتدبره، كانت الترجمة التفسيرية أيضاً مشتملة على هذا كله؛ لأنها ترجمة للتفسير لا للقرآن.
وحاصل القول هنا: إن في كل من التفسير وترجمته بيان ناحية أو أكثر من نواحي القرآن، التي لا يحيط بها إلا من أنزله بلسان عربي مبين، وليس في واحد منهما إبدال لفظ مكان لفظ القرآن، ولا إحلال نظم محل نظم القرآن؛ بل نظم القرآن باقٍ معهما، دالٌّ على معانيه من جميع نواحيه.
ثم يقال أيضاً: إن تفسير القرآن الكريم من العلوم التي فُرِضَ على الأمة تعلمها، والترجمة التفسيرية تفسير للقرآن بغير لغته، فكانت أيضاً من الأمور التي فُرِضَت على الأمة؛ بل هي آكد؛ لما يترتب عليها من المصالح المهمة؛ كتبليغ معاني القرآن؛ وإيصال هدايته إلى الناس أجمعين، ممن لا يتكلمون العربية، ولا يفهمون لغة العرب، وأيضاً حماية العقيدة الإسلامية من كيد الملحدين، والدفاع عن القرآن بالكشف عن أضاليل المبشرين، الذين عَمَدُوا إلى ترجمة القرآن ترجمة حَشَوْهَا بعقائد زائفة، وتعاليم فاسدة، ليُظهروا القرآن لمن لم يعرف لغته في صورة تُنَفِّرُ منه، وتَصُدُّ عنه؛ ولهذا كان من الضروري ذكر الشروط التي يجب أن تتوافر وتراعى، لتكون الترجمة التفسيرية ترجمة صحيحة مقبولة، وهذه الشروط التي يجب مراعاتها في عملية الترجمة:
أولاً: أن تكون الترجمة على مستوفية شروط التفسير، لا يعول عليها إلا إذا كانت مستمَدة من الأحاديث النبوية، وعلوم العربية، والأصول المقررة شرعاً؛ فلا بد للمترجِم من اعتماده في استحضار معنى الأصل على تفسير عربي مستمَد من ذلك، أما إذا استقل برأيه في استحضار معنى القرآن، أو اعتمد على تفسير ليس مستمدًّا من تلك الأصول، فلا تجوز ترجمته ولا يُعتد بها، كما لا يُعتد بالتفسير إذا لم يكن مستمدًّا من تلك المناهل، معتمداً على هذه الأصول.
ثانياً: أن يكون المترجِم بعيداً كل البعد عن الميل إلى عقيدة زائفة تخالف ما جاء به القرآن، وهذا شرط في المفسِّر أيضاً؛ فإنه لو مال واحد منهما إلى عقيدة فاسدة، لتسلطت على تفكيره، فإذا بالمفسِّر وقد فسر طبقاً لهواه، وإذا بالمترجِم وقد ترجم وَفْقاً لميوله، وكلاهما يَبْعُدُ بذلك عن القرآن وهداه.
ثالثاً: أن يكون المترجم متمكناً من معرفة علوم القرآن، عالماً بأصول الشريعة ومبادئها العامة، على وجه الإجمال لا التفصيل؛ وذلك لأن المترجم لا يمكن له ترجمة النص ترجمة دقيقة ما لم يكن ملمًّا بكل ما يتعلق بذلك النص، من أسباب نزوله، ودلالاته من حيث العموم والخصوص، عارفاً بكل المصطلحات اللغوية الواردة في القرآن، متمكناً من دلالاتها الشرعية على الأحكام المرادة بها، حتى يكون قادراً على اختيار اللفظ المعبر عن المعنى المراد.
رابعاً: أن يكون المترجِم عالماً باللغتين، المترجَم منها والمترجَم إليها، خبيراً بأسرارهما، يعلم جهة الوضع والأسلوب والدلالة لكل منهما.
خامساً: أن يُكتب القرآن أولاً، ثم يؤتى بعده بتفسيره، ثم يُتبَع هذا بترجمته التفسيرية، حتى لا يتوهم متوهم أن هذه الترجمة ترجمة حرفية للقرآن.
هذه الشروط يجب مراعاتها لمن يريد أن يفسر القرآن بغير لغته، تفسيراً يسلم من كل نقد يوجَّه، وعيب يُلْتمس.
ومن ثم، فلا يجوز أن تكون ترجمة القرآن خاضعة للأهواء وللإرادات الفردية ذات الأهداف المتعددة؛ وذلك لأن الترجمة التي لا تتوافر فيها شروط الصحة تُسهم في تشويه صورة القرآن، وتقدمه إلى الناس مشوه المعالم، ركيك العبارة، جامد التعبير، لا يثير في النفس ما يثيره القرآن الكريم المعجز من آثار، ولا يترك لدى القارئ ما يتركه لدى قارئه في اللغة العربية من إعجاب.
وإن المؤسسات الإسلامية المختصة بالدفاع عن مقدسات الإسلام، والمراكز البحثية الغيورة على كل ما يتعلق بكتاب الله تعالى، مدعوة اليوم للتصدي للمحاولات الفردية العابثة التي استهدفت ترجمة القرآن، وأساءت للقرآن بتلك الترجمة.
* مادة المقال مستفادة من كتاب "التفسير والمفسرون" مع بعض التصرف، للدكتور محمد السيد حسين الذهبي.
الاسلام,اخبار,مقالات اسلامية,اسلام
ترجمة القرآن الكريم, ترجمة القرآن الكريم, ترجمة القرآن الكريم, ترجمة القرآن الكريم, ترجمة القرآن الكريم
المصدرمحور المقالات - إسلام ويب http://ift.tt/2i7jO4i
via موقع الاسلام
from موقع الاسلام (رسالة الحق والسلام) http://ift.tt/2hlxCr8
via IFTTT
0 comments:
Post a Comment