3lislam أفْتنــي الاسلام
Written By on Sunday, 24 July 2016 |
أفتني! أفتني في شأن هذه المجرَّات المترامية والأفلاك المتباعدة؟
أفتني في كواكب هذه «المجموعة»، جعلوا بعضها من بعض، مالها خلت من مقومات حياةٍ قد اجتمعت لهذه الأرض، من غلافٍ يحفظ لها ما فيها، ويصدّ عنها عواديها، وفصولٍ أربعةٍ تعاقبتْ وانتظمتْ، وهيئةٍ كالكرة بُسِط سطحها ومُدَّتْ، وجبالٍ راسياتٍ أمسكتها فما اضطربتْ؟
أفتني في هذه الأرض قد جُعلتْ كفاتًا، حملتْ الناس أحياءً وضمَّتهم رُفاتًا.
أفتني في هذه الأرض امتازتْ بجاذبيةٍ يسَّرتْ السير على سطحها، واتسعتْ مناكِبها، وفُجِّجَتْ سُبُلها، فحسُنَتْ فراشًا ومِهادًا، وصلُحتْ هجرةً ومُقامًا.
«بمقارنة بغالبية الكواكب فإنَّ هذه الأرض تُعَدُّ جَنّة، وأجزاء الأرض هي جَنَّ بأيٍّ مقياس .. ما هي احتمالات أنَّ كوكبًا الْتُقط عشوائيًا تتوفَّرُ فيه كل هذه الخصائص اللطيفة؟! حتى أفضل الحسابات تفاؤلاً كانت لتجعل النسبة أقل من واحدٍ في المليون!»[ الملحد الشهير: ريتشارد دوكنز](1).
أفتني في شأن تلك السماء وقد كان ينبغي لها أن تكون صخورًا تتصادم، وأحجارًا تتساقط، وظلامًا تتطاير فيه شعاليل النيران؟!
أفتني في شأنها وقد كان ينبغي لها أن تبعث رُعبًا يتضاعف، وخوفًا يتزايد، ووحشة لا تنتهي عند حدٍّ.
أفتني في شأنها وقد كان ينبغي لها أن تكون بؤسًا بالنهار وغُربةً بالليل، فما لها ازدانت بنورٍ وسراج، وزُيِّنتْ بالمصابيح والأبراج؟! ما لها ونجومها كحبَّاتِ لؤلؤٍ تلمع في الظُّلَم، وألوانها ساحةُ جمالٍ تُذهل البصر، ما لها تُؤنس الساهرين، وتُلهم الناظمين، ما لها تتقلب بين نهارٍ ينشطون فيه، وليلٍ يسكنون إليه؟!
«علىَّ أن أعترفُ أن الطبيعة تبدو لي أحيانًا أجملُ بكثيرٍ ممَّا ينبغي لها أن تكون!»[الفيزيائي الملحد: ستفين واينبرغ](2).
أفتني في شأن هذا الجمال الذي لا ينبغي، والحسن الذي يلا يُقاوم؟
أفتني في شأن هذا الطير السابح في جوِّ السماء، قَصِيًّا في عُلُوِّه، عصيًّا في سُمُوِّه، من يسَّر صيْدَه، وقرَّب بُعده، وطيَّب طعمه؟
أفتني فيما يدُبُّ على الأرض من الحيوان، وما في الأنعام من الإنعام، من نفع نقله وملبسٍ وزينةٍ وطعامٍ، ولبنٍ خالصٍ سائغ شرابه، قد تيسَّر السبيل لطلابه؟!
«ومهما يكن من أمرٍ، فإن هذه المسائل الكوسمولوجية قد تجد لها حلاًّا، ولكن مهما كان أمر النموذج الذي ستتبين صحته، فإنه ليس بينها نموذج مريح ومطمئن، إذ يكان يستحيل على بني الإنسان أن يعتقدوا بوجود علاقةٍ خاصةٍ بينهم وبين الكون، وأن الحياة ليست مجرد نهاية مضحكةٍ لعوارضَ متتاليةٍ تعود في الماضي إلى الدقائق الثلاث الأولى، بل نحن بشكلٍ ما نميل إلى الاعتقاد بأننا كنا منذ البداية في التصميم وأننا غاية الوجود، فها أنا ذا عند كتابة هذه السطور، في طائرة تحلق فوق ولاية "فيومين" على ارتفاع 10.000 متر، في طريق العودة من "سان فرانسيسكو" إلى "بوسطن"، والأرض تحتي تبدو حانيةً مريحة، غيومٌ مخمليةٌ هنا وهناك، ثلوجٌ متوردةٌ تحت أشعة الشمس الغاربة، طُرقات تمتدُّ من مدينةٍ إلى أخرى عبر البلاد، فما أصعب أن نصدِّق أن هذا كله ليس سوى جزء ضئيل من كونٍ ماحقٍ عدواني، بل وأصعب من ذلك أن نتحقق أن هذا الكون قد تطور من ظروفٍ ابتدائية تكاد تكون غير مألوفة، ولا يمكن تصورها إلَّا بالجهد الجهيد، وأنه سيخبو يومًا ما في برودة لا حدود لها، أو أنه سيصير إلى جحيم مسعور، حقًّا إن الكون كلما بدا طيِّعًا للإدراك بدا عبثًا غير مقبول ... فالسعي عن رضًا لفهم الكون هو من الأشياء النادرة التي تسمو بالإنسان فوق مستوى الترهات، وتنعم عليه بشيءٍ من شرف المشاركة في هذه المسرحية المأسأوية»[الفيزيائي الملحد: ستيفين واينبرغ](3).
أفتني في شأن الأرض الحانية، والغيوم المخملية، والثلوج المتورِّدة؟
أفتني في شأن أوراق العشب تداعب بخار الماء فيكون الندى، ثم يُداعب الندى أوراق العشب فيبقى رطبًا؟
أفتني في شأن بذرةٍ تبعث في النفس فكرةً بعد فكرة، كيف تهمس لأرضٍ صُلبةٍ فتلين لمستدقِّ عروقها، وتسترسل فتفشي فيها سِرَّ نموها، تمضي في الأر بجذورها، وتشُقُّ إلى السماء طريقها، فإذا بها بعد الضآلة شجرةٌ تامة، استغلظتْ واستوتْ على سُوقها، طيبةً ذات حُسنٍ وجمالٍ يُعْجِبُ من يزرع، يأتي الطفل الضعيف يقطف ثمرها فلا تأبى ولا تتمنّع؟
«وفي قلبِ كلِّ جمالٍ يكمنُ شيءٌ لا بشريّ!»[الفيلسوف: الجودي ألبير كامو](4).
أفتني في شأن الحقيقة الفائتة والفريضة الغائبة: لماذا كانت تحتّني تفاصيلُ الجمال على قول «الله»؟
لماذا كانت تسري في جسدي قشعريرةٌ ما حين تُطالعني مظاهر العظمة؟!
أليس الأمر برمَّته ليس إلَّا قوانين صمَّاء تعمل منذ الأزل؟ فحسنًا فعلتُ إذًا حين وأَدتُّ هذا التأثُّر الذي يعتريني؟! حسنًا فعلتُ حين درَّبتُ نفسي على عدم الاكتراث، واكتسبتُ مناعةً تِقي من روعة الاندهاش.
فليتك تُفتِيني في شأني: ما لي صِرتُ أعجزث عن نظْمِ القوافي، وأعاني من فقر الخواطر؟
«بصفتي ملحدة فإنني أبغض هذا الحصاد من البيانات العدوانية ضد الدين الصادرة من الساخرين المحترفين، والمتسكعين، والعلماء المتحفزين ثقافيًا أصحاب الخيال المعقَّد، أبغض العالم الفكري الضيِّق الذي يقترحونه، لأنه في الحقيقة مُحبطٌ للغاية، وهو قاتلٌ لمستقبل الفنِّ»[أستاذة النقد الفني الأمريكية الملحدة: كاميليا باجليا](5).
أفتني في رجلٍ أتاك بقلبٍ سريع التعلق فيَّاض المشاعر، تقصر جوارحه عن مجاراة قلبه حتى كان يعدُّ نفسه منافقًا، ثمَّ انصرف عنك بقلبٍ عليلٍ تعلوه أطلاق الحياة، يجعل من الطبيعة صنمًا جامدًا لا قيمة له، فتجعل هي منه مضغة لحمٍ جامدةً لا روح فيه، وكأنَّ كُلاًّ منهما لما اكتفى بالآخر أهلكه.
أفتني في شأن هذا الرجل الأول، كيف أفكَّ أسره؟
ثمَّ أفتني - لا أبًا لك - في طبيعة كانت تراود جَنَاني وتغري كياني، ثم صارت - بعد لقائي إياك - رمز الكآبة وآية السامة، لا تنفع سائلاً، ولا تهدي حائرًا، وبعد أن كانت تُسأل: «ماذا تقولين»؟!.
أفتني في السبيل إلى هذه الطبيعة المغدورة؟
أفتني من غير فلسفة؟
أفتني.. ليتني لم أعرفك؟!
«نحن أبناء الفوضى، والمكوِّ الأصيل لكل تغيُّرٍ هو الفناء، في الجذر ليس ثمَّ إلَّا الفساد، وامتداد الفوضى الذي لا يمكن اقتلاعه، الغاية ضائعةٌ وما تبقى هو الطريق، هذه هي الكآبة التي يجب أن نتقبَّلها حين نمعن النظر بعمقٍ وعقلانيةٍ في قلب الكون»[الكيميائي البريطاني الملحد: بيتر أتكنز](6).
هوامش المقال
1- Richard Dawkins. Unweaving the rainbow. P: 11.
2- ستيفين واينبرغ: أحلام النظرية النهائية، والذي تُرجم تحت عنوان: (أحلام الفيزيائيين بالعثور على نظرية جامعةٍ شاملة) ترجمة: أدهم السمان، ص195.
3- ستيفين واينبرغ: الدقائق الثلاث الأولى من عمر الكون، ترجمة: محمد وائل الأناسي، دار المتحدة، ص171 مختصرًا.
4- ألبير كامو: أسطورة سيزيف، ترجمة: أنيس زكي حسن، منشورات دار مكتبة الحياة، ص23.
5- Camille Paglia. "Art Movies R.I.P." Salon. 8 Aug. 2007.
6- Peter Atkins (1984). The Second Law. Scientific American Library. Quoted by: Richard Dawkins. Unweaving the rainbow.
الاسلام,اخبار,مقالات اسلامية,اسلام
أفْتنــي, أفْتنــي, أفْتنــي, أفْتنــي, أفْتنــي
المصدرمحور المقالات - إسلام ويب http://ift.tt/2a4SRxH
via موقع الاسلام
from موقع الاسلام (رسالة الحق والسلام) http://ift.tt/2a6UzIv
via IFTTT
0 comments:
Post a Comment